الحج ركن من أركان الإسلام بالاتفاق وهو مبنى من مبانيه العظام جاء ذكره في القرآن وفي السنة وجاء فرضه في القرآن في سورة آل عمران، قال تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).
هذه الآية (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) بينت فرض الحج وأنه مفروض على الاستطاعة وإنما نص على الاستطاعة في شرط الحج ولكن الاستطاعة شرط في كل العبادات (فاتقوا الله ما استطعتم) (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) إنما نص عليه في الاستطاعة تأكيد لهذا المعنى لأن الحج فيه من الكلفة والخروج عن المألوف مقاما وطنا لباسا حالا بلدا ما يستدعي لفت الانتباه إلى العناية بشرط الاستطاعة.
والحج الذي فرضه الله تعالى هو ما حجه النبي صلى الله عليه وسلم وبينه لأمته فقوله (ولله على الناس حج البيت) أي الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم وهو قصد مكة البلد الحرام (ومن كفر) أي أعرض عن قبول ما فرضه الله تعالى والانقياد لما شرع من وجوب قصد هذه البقعة المباركة (فإن الله غني عن العالمين) فليس طاعة الطائعين ولا حج الحاجين ولا اجتهاد المجتهدين بنافع الله عز وجل شيئا، بل إنما ينتفع بذلك العامل لنفسه (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) كما في الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
المقصود أن الله تعالى فرض الحج في هذه الآية وقد بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث أبي هريرة: (يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا) فأخبر بفرض الحج وهو ما ذكره الله تعالى في هذه الآية وأكد ذلك بأمرهم بما أمر الله تعالى به في قوله: (فحجوا) أي فامتثلوا بما أمركم الله تعالى به بقصد بيته الحرام تعظيما له جل في علاه وقياما لما فرض.
وقد قال رجل بعد أن بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرضية، قال: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى كررها الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فرض الحج واجب في العمر مرة وذلك أن مطلق الأمر يتحقق بمرة واحدة، فسؤال السائل عن هذا الفرض هل هو كل عام أم هو مرة واحدة وهو نوع من التكلف الذي نهيت عنه هذه الآمة ولذلك أعرض عن جوابه ثم بين بهذا البيان أن هذا الإلحاح في السؤال قد يفضي بتحميل الناس مشقة ليسوا بقادرين عليها ولم يفرضها الله تعالى عليهم.
المقصود أن الحج بالإجماع فرض في العمر مرة واحدة وما زاد فهو تطوع.